
في عالمنا اليوم، تكتسب الصحافة دورًا متزايد الأهمية كوسيلة للتواصل والتثقيف، وأداة قوية لتشكيل الرأي العام وتعزيز القيم المجتمعية. ومع تسارع الأحداث العالمية والتطورات التكنولوجية، يصبح الإعلام أكثر تعقيدًا ومسؤولية. في هذا السياق، التقت جريدة «الدوحة اليوم» بالأستاذ الدكتور عبدالمطلب مكي، أستاذ قسم الإعلام بجامعة قطر، لمناقشة مكانة الصحافة في المجتمع، ودورها في نشر الوعي، والتحديات التي تواجهها الصحف المحلية في مواكبة العصر الرقمي.
أوضح الدكتور مكي أن الصحافة ليست مجرد ناقل للأخبار، بل هي أداة رئيسية في تشكيل الهوية المجتمعية وتعزيز الشعور بالانتماء الوطني. من خلال التركيز على القضايا المحلية وإبراز الإنجازات الوطنية، تسهم الصحافة في تعزيز الروح الجماعية للمجتمع، مما يجعلها عنصرًا لا غنى عنه في بناء الوعي الوطني. وأشار إلى أن الصحافة يمكنها أن تكون مرآة تعكس تطلعات المجتمع واحتياجاته،
وتحدث الدكتور مكي عن التحديات التي تواجه الصحافة في تناول القضايا الحساسة، مشيرًا إلى أن أبرزها يتمثل في الضغط المجتمعي والخوف من ردود الفعل السلبية. وأضاف أن التعامل مع هذه القضايا يتطلب مهارة وحرفية عالية من الصحفيين،
كما أكد أن الصحافة الحرة والمسؤولة تلعب دورًا حيويًا في بناء الثقة بين الجمهور والإعلام.
وأشار إلى أن الصحافة تمثل حلقة الوصل بين الجمهور وصناع القرار، حيث تسهم في إيصال مطالب وتطلعات المواطنين إلى الجهات المسؤولة. وأكد أن هذا الدور يتطلب مستوى عاليًا من النزاهة والمصداقية لضمان أن تكون الصحافة شريكًا فعالًا في تحقيق التغيير الإيجابي.
كما شدد الدكتور مكي على أهمية دور الإعلام في تعزيز الشفافية والمساءلة، مشيرًا إلى أن الصحافة يمكن أن تسلط الضوء على أوجه القصور في المؤسسات المختلفة. وأكد أن الصحافة الاستقصائية، على وجه الخصوص، هي الأداة المثلى لكشف الحقائق الغائبة عن الجمهور، لكنها تعاني من نقص في الدعم والتمويل على المستوى المحلي والإقليمي.
وأضاف أن الإعلام يلعب دورًا محوريًا في توعية المجتمع بقضايا الصحة العامة، مستشهدًا بجائحة كورونا كمثال بارز على ذلك. وأوضح أن وسائل الإعلام كانت المصدر الأساسي للمعلومات الموثوقة خلال الأزمة، مما ساعد في نشر الوعي بالإجراءات الاحترازية ومواجهة الشائعات التي انتشرت بشكل كبير.
وفيما يتعلق بالأدوات الإعلامية الأكثر فعالية في نشر الوعي الاجتماعي، أشار الدكتور مكي إلى أن المنصات الرقمية أصبحت اليوم الوسيلة الأكثر تأثيرًا، نظرًا لسرعة انتشارها وقدرتها على الوصول إلى شريحة واسعة من الجمهور. لكنه شدد على أهمية الحفاظ على مصداقية المحتوى المقدم، خاصة في ظل انتشار الأخبار المزيفة والشائعات.
وأكد الدكتور مكي أن الأخبار المزيفة تشكل تحديًا كبيرًا للصحافة، داعيًا إلى تعزيز آليات التحقق من المعلومات قبل نشرها.
وفيما يتعلق بتأثير التمويل والإعلانات التجارية، أشار الدكتور مكي إلى أن التحدي يكمن في تحقيق توازن بين تلبية احتياجات المعلنين والحفاظ على استقلالية الصحافة. وأكد أن استقلالية الإعلام هي الركيزة الأساسية للحفاظ على ثقة الجمهور.
وفي حديثه عن التحديات التي تواجه الصحافة التقليدية في ظل التحول الرقمي، أوضح الدكتور مكي أن المنافسة مع المنصات الرقمية أصبحت أحد أبرز العقبات. لكنه أشار إلى أن الصحف التقليدية يمكنها الاستفادة من التكنولوجيا لتعزيز حضورها الرقمي وتقديم محتوى تفاعلي يجذب القراء.
وعن الذكاء الاصطناعي، أشار الدكتور مكي إلى أنه يمكن أن يكون أداة فعالة لتحليل البيانات واستخلاص رؤى مفيدة تدعم العمل الصحفي. لكنه شدد على ضرورة استخدام هذه التقنية بحذر، لضمان عدم فقدان الطابع الإنساني للصحافة.
أما عن خصائص الصحف المحلية التي تجعلها مؤثرة، أكد الدكتور مكي أن التفاعل مع القراء ومواكبة اهتماماتهم هو المفتاح.
وعند سؤاله عن استراتيجيات زيادة ولاء القراء، أشار الدكتور مكي إلى أن المصداقية والاهتمام بالموضوعات التي تهم الجمهور هي الأساس. كما أكد على أهمية تقديم محتوى تحليلي واستقصائي يلبي احتياجات القراء ويضيف قيمة إلى حياتهم اليومية.
وأشاد الدكتور مكي بدور الصحافة الاستقصائية في نجاح الصحف المحلية، موضحًا أنها تسهم في كشف الحقائق وتقديم رؤى معمقة حول القضايا المختلفة. لكنه أشار إلى أن هذا النوع من الصحافة يتطلب دعمًا ماليًا ولوجستيًا لضمان استمراريته.
وفي ختام المقابلة، وجه الدكتور مكي نصائح لفريق «الدوحة اليوم»، داعيًا إياهم إلى تطبيق ما تعلموه خلال دراستهم الجامعية في تقديم محتوى يثري القارئ ويخدم المجتمع. كما شدد على أهمية التركيز على الجودة والمصداقية في تقديم الأخبار، مع تسليط الضوء على القضايا التي تمس حياة المواطنين اليومية.
من خلال حديثه العميق وتحليله الواعي، سلط الدكتور عبدالمطلب مكي الضوء على الدور المحوري الذي تلعبه الصحافة في تعزيز الوعي المجتمعي وخدمة القضايا الوطنية. وبينما تواجه الصحافة التقليدية تحديات عديدة في عصر التكنولوجيا، تبقى المصداقية والابتكار هما المفتاح لضمان استمراريتها وتأثيرها.