
الصحة النفسية أصبحت أحد المحاور الأساسية التي تشغل بال المجتمعات حول العالم، ولا سيما بين الشباب والطلبة الذين يواجهون تحديات أكاديمية واجتماعية كبيرة. من هذا المنطلق، قمنا في جريدة الدوحة بإجراء استطلاع ميداني شامل بين طالبات جامعة قطر بهدف التعرف على آرائهن ومدى وعيهن بأهمية الصحة النفسية، وكيفية تعاملهن مع المشكلات النفسية اليومية. شمل الاستطلاع مقابلات مباشرة مع 100 طالبة من مختلف الكليات، إلى جانب مناقشات معمقة مع المختصين ومسؤولي الخدمات النفسية داخل الجامعة.
الوعي بأهمية الصحة النفسية
أظهرت نتائج الاستطلاع أن 85% من الطالبات يعتقدن أن الصحة النفسية لا تقل أهمية عن الصحة الجسدية، ويعتبرن أن التوازن النفسي مفتاح النجاح الأكاديمي والشخصي. عبرت معظم المشاركات عن إيمانهن بأن العناية بالصحة النفسية تساعد على تحسين الأداء الدراسي، وتعزز العلاقات الاجتماعية، وتقلل من الآثار السلبية الناتجة عن الضغوط الحياتية.
الطالبة فاطمة الهاجري، من كلية الآداب والعلوم، قالت: “لطالما شعرت أن الصحة النفسية أمر مهم، لكني لم أكن أدرك أهميتها الحقيقية إلا عندما واجهت ضغوطًا خلال فترة الامتحانات النهائية. أدركت أن الصحة النفسية ليست رفاهية، بل ضرورة لاستمرارنا في الحياة بشكل طبيعي.”
التحديات النفسية اليومية
كشفت النتائج أن 60% من الطالبات تعرضن لضغوط نفسية خلال العام الماضي بسبب مشكلات دراسية، مثل ضغط الامتحانات والالتزام بالمشاريع الجماعية. كما أشار العديد منهن إلى أن الحياة الاجتماعية والمسؤوليات العائلية تزيد من شعورهن بالتوتر والقلق.
الطالبة نور سالم، من كلية الإدارة والاقتصاد، شاركت تجربتها قائلة: “في بعض الأحيان، أشعر أنني غارقة في المهام الدراسية، ومع ذلك لا أجد الوقت لنفسي. أحيانًا يتضاعف الضغط بسبب التوقعات العالية من عائلتي، مما يجعلني أشعر بالعجز.”
بالإضافة إلى ذلك، أظهرت الدراسة أن 50% من الطالبات يشعرن أن التحديات النفسية التي يواجهنها لا يتم التعامل معها بجدية كافية من قبل المحيطين بهن، مما يجعلهن يترددن في طلب المساعدة.
طلب المساعدة النفسية
رغم زيادة الوعي، أظهرت النتائج أن 40% فقط من الطالبات يبدين استعدادهن لطلب المساعدة النفسية عند الحاجة. في المقابل، أشار 30% منهن إلى أن الوصمة الاجتماعية المرتبطة بالصحة النفسية تجعل من الصعب عليهن التحدث عن مشكلاتهن أو زيارة استشاري نفسي.
الطالبة منى عبد الله، من كلية الهندسة، قالت: “أحيانًا أشعر أن زيارة استشاري نفسي قد تُفسر بشكل خاطئ، وكأنني أعاني من مشكلة كبيرة. هذه الأفكار تجعلني أتردد رغم حاجتي الفعلية للمساعدة.”
رأي المختصين
تحدثت الدكتورة ليلى أحمد، المتخصصة في علم النفس، عن أهمية تجاوز الوصمة الاجتماعية قائلة: “نتائج الاستطلاع تعكس تحولًا إيجابيًا في وعي الطالبات، لكن الخوف من الأحكام الاجتماعية لا يزال عقبة رئيسية. يجب أن نركز على تعزيز ثقافة طلب الدعم النفسي، وتوضيح أن الاستشارة النفسية جزء طبيعي من العناية بالصحة.”
وأضافت أن الجهود التي تبذلها جامعة قطر في هذا المجال تعد ريادية، لكنها تحتاج إلى تعزيز التوعية من خلال حملات إعلامية وورش عمل تفاعلية.
الخدمات المتوفرة في الجامعة
تقدم جامعة قطر خدمات استشارية نفسية لطالباتها من خلال مركز الإرشاد النفسي، الذي يضم فريقًا من الخبراء والمتخصصين في دعم الصحة النفسية. تشمل الخدمات جلسات استشارية فردية، وورش عمل تهدف إلى تحسين مهارات التكيف مع الضغوط النفسية، ودورات في إدارة الوقت.
الطالبة أ . ع، أشادت بهذه الخدمات قائلة: “حضرت ورشة عمل نظمتها الجامعة حول التعامل مع التوتر، وكانت تجربة مفيدة جدًا. شعرت أنني لست وحدي، وأن هناك دعمًا متاحًا لنا كطالبات.”
أبرز التوصيات من الطالبات والمختصين
من خلال النقاشات مع الطالبات والمختصين، ظهرت مجموعة من التوصيات لتعزيز الاهتمام بالصحة النفسية في جامعة قطر منها زيادة تنظيم حملات إعلامية مستمرة داخل الجامعة لتوضيح أهمية الصحة النفسية وطرق طلب المساعدة، وتقديم خدمات استشارية نفسية متاحة على مدار الساعة، لتلبية احتياجات الطالبات بشكل أفضل، كذلك إنشاء أندية طلابية تهتم بنشر ثقافة الصحة النفسية ودعم زميلاتهن، بالإضافة الى إطلاق مبادرات تركز على تغيير التصورات الخاطئة حول الاستشارات النفسية، وتنظيم ورش عمل ودورات تدريبية حول كيفية التعامل مع ضغط الامتحانات والمشاريع.
ويكشف هذا الاستطلاع عن تقدم واضح في وعي طالبات جامعة قطر بأهمية الصحة النفسية، لكنه يسلط الضوء أيضًا على تحديات كبيرة تحتاج إلى حلول جذرية. الصحة النفسية ليست مجرد قضية فردية، بل هي مسؤولية جماعية تحتاج إلى تعاون من جميع الأطراف لتحسين جودة الحياة النفسية للطالبات ودعمهن في رحلتهن الأكاديمية.